فصل: المقالة الأولى: الحارة منها والفاسدة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.الفن الثالث: الأورام والبثور:

يشتمل على ثلاث مقالات:

.المقالة الأولى: الحارة منها والفاسدة:

قد تكلمنا في الكتاب الأول في الأورام وأجناسها ومعالجاتها كلاماً كفياً لا بد أن يرجع إليه من يريد أن يسمع ما نقوله الآن أما في هذا الموضع فإنا نتكلم فيه كلاماً جزئياً.

.فصل في الأورام والبثور:

نقول إن كل ورم وبثر إما حار وإما غير حار والورم الحار إما عن دم أو ما يجري مجراه أو صفراء أو ما يجري مجراها.
وما كان عن دم.
فإما عن دم محمود أو دم رديء.
والدم المحمود إما غليظ وإما رقيق.
والمتكون عن الدم المحمود الغليظ هو الفلغموني الذي يأخذ اللحم والجلد معاً ويكون مع ضربان وعن الرقيق الفلغموني الذي يأخذ الجلد وحده وهو الشري ولا يكون مع ضربان.
وأما الكائن عن الدم الغليظ الرديء فتحدث عنه أنواع من الخراجات الرديئة فإن اشتدت رداءته واحتراقه حدثت الحمرة وأحدثت الاحتراق والخشكريشة وشر منها النار الفارسي وعن الرقيق الرديء يحدث الفلغموني الذي يميل إلى الحمرة مع رداءة وخبث فإن كان أرق كانت الحمرة الفلغمونية وإن كان أردأ أكثر حدثت الحمرة ذات النفاخات والنفاطات والاحتراق والخشكريشة.
وأما الصفراوي فإما عن صفراء لطيفة جداً لا تحتبس فيما هو داخل من ظاهر الجلد وهي حريفة فتكون منها النملة.
أما الساعية وحدها وهي ألطف وأما الساعية الأكالة وهي رديئة أو عن صفراء أغلظ من هذه وأقلّ حرارة وتحتبس في داخل من الأولى في الجلد وكان فيها بلغم وتكون منها النملة الجاورسية وهي أقل التهاباً وأبطأ انحلالاً.
وإن كانت المادة أغلظ وأردأ حدثت النملة الأكالة فإن كانت تجاوز في غلظها إلى قوام الدم وكانت رديئة أحدثت حمرة رديئة وجميع ذلك تكون المادة فيه رديئة لطيفة وإن اختلفت بعد ذلك وتكون للطافتها تدفعها الطبيعة فلا تحتبس في شيء إلا في الجلد وما يقرب منه وإذا كثرت مادة الورم الحار وعظم الورم جداً فهو من جملة الأورام الطاعونية القتالة ومن جملتها المذكورة المعروفة بتراقيا.
وهذه الأصناف الرديئة وما يشبهها تكثر في سنة الوباء والرديء من الأورام الحارة الذي لم ينته إلى انحطاط يتبعه اللين والضمور ولا إلى جمع مدة بل إلى إفساد العضو فليس يكون دائماً عن عظم الورم وكثرة المادة بل قد يكون عن خبث المادة.
واعلم أن الأورام قلما تكون مفردة صرفة وأكثرها مركبة واعلم أن كل ورم في الظاهر لا ضربان معه فإنه لا يقيح.
وأما في الباطن فقد قلنا فيه.

.فصل في الفلغموني:

قد عرفت الفلغموني وعرفت علاماته من الحرارة والالتهاب وزيادة الحجم والتمدد والمدافعة والضربان إن كان غائصاً وكان بقرب الشرايين وكان العضو يأتيه عصب يحس به ليس ككثيرمن الأحشاء كماعلمت حاله.
وكلما كانت الشرايين فيه أعظم وأكثَر كان ضربانها وإيجاعها أشدّ وتحللها أو جمعها أسرع.
وإذا كان الفلغموني في عضو حساس تبعه الوجع الشديد كيف كان ويلزمه أن تظهر عروق ذلك العضو الصغار التي كانت تخفى.
واعلم أن اسم الفلغموني في لسان اليونانيين كان مطلقاً على كل ما هو التهاب ثم قيل لكل ورم حار ثم قيل لما كان من الورم الحار بالصفة المذكورة ولا يخلو عن الالتهاب لاحتقان الدم وانسداد المنافس.
والفلغموني قلما يتفق أن يكون بسيطاً وهو في الأكثر يقارن حمرة أو صلابة أو تهيّجاً وله أسباب: منها سابقة بدنية من الامتلاء أو رداءة الأخلاط مع ضعف العضو القابل أو ضعف العضو القابل.
وإن لم يكن امتلاء ولا رداءة أخلاط ومنها بادية مثل فسخ أو قطع أو كسر أو خلع أو قروح تكثر في العضو فتميل إليه المادة للوجع والضعف وربما مالت إليه المواد فاحتبست في المسالك التي هي أضعف كما تعرض مع القروح والجرب المؤلم أورام في المواضع الخالية وتزيده يتبين بتزيّد الحجم والتمدد وانتهاؤه بانتهائه وهنالك تجمع المعدة إن كان يجمع وانحطاطه بأخذه إلى اللبن والضعف.
والرديء هو الذي لا يأخذ إلى الانحطاط ولا يجمع المدة ومثل هذا يؤدي إلى موت العضو وتعفُّنه وكثيراً ما يكون ذلك لعظم الورم وكثرة مادته وكثيراً ما يكون بسبب خبث المادة وإن كان الورم صغيراً.
وأنت تعلم ما ينفش بأن الضربان يأخذ في الهدء واللهيب في السكون وتعلم ما يجمع بازدياد الضربان والحرارة وثباتهما وتعلم ما يعفن بعسر النضج والكمودة وشدّة التمدد.
واعلم أنه ما لم تقهر الطبيعة المادة لم يحدث منها ورم وفلغموني في الظاهر.
واعلم أنه إذا تجاورت بثور دملية أنذرت بدمل جامع ويجب أن يسقى صاحب الأورام ماء الباطنة الهندبا وماء عنب الثعلب بفلوس الخيارشنبر.
فصل في علاج الفلغموني:
إذا حدث الفلغموني عن سبب بادٍ لم يخل إما أن يصادف السبب البادي نقاء من البدن أو امتلاء.
فإن صادف نقاء لم يحتج إلاّ إلى علاج الورم من حيث هو ورم وعلاج الورم من حيث هو ورم إخراج المادة الغريبة التي أحدثت الورم وذلك بالمرخّيات والمحلّلات اللينة مثل ضمّاد من دقيق الحنطة مطبوخاً بالماء والدهن وربما أغنى عن الشرط وكفى المؤنة وخصوصاً إذا كان الورم كثير المادة.
فأما إذا صادف من البدن امتلاء فيجب أن لا يمسّ الورم بالمرخيات فينجذب إليه فوق ما يتحلل عنه بل يجب أن يستفرغ المادة بالفصد وربما احتيج إلى إسهال.
فإذا فعلت ذلك استعملت المرخّيات ويقرب علاجه من علاج ما كان سببه الإمتلاء البدني ويفارقه في أنه ليس يحتاج إلى ردع كثير في الابتداء كما يحتاج ذلك بل دونه.
وأما إن كان السبب سابقاً غير بادٍ فيجب أن يبدأ بالاستفراغ وتوفية حقه من الفصد ومن الإسهال إن احتيج إليه.
والحاجة إليه تكون إما لأن البدن غير نقي وإما لأن العلة عظيمة فلا بد من استفراغ وتقليل للمادة وجذب إلى الخلاف.
وإن كان البدن ليس كثير الفضول فإن العضو قد يحدث به ما يضعفه فتنجذب إليه مواد البدن وإن لم تكن مواد فضل ويجب أن تراعي الشرائط المعلومة في ذلك من السن والفصل والبلد وغير ذلك ولنبدأ:بالروادع إلا في الموضع الذي شرطناه في الكتاب الأول.
ثم يحاذي التبريد بإدخال المرخيات مع الروادع وكما يمعن في التبريد يمعن في زيادة المرخيات قليلاً قليلاً وعند المنتهى والوقوف وبلوغ الحجم والتمدد غايته تغلب المرخيات وصرفها والمجففات منها هي المبرئة في المنتهيات.
وأما المرخيات الرطبة فلتوسيع المسام وإسكان الوجع والمجفف هو الذي يبرىء ويمنع أن يبقى شيء يصير مدة فإن لم يبرأ بالتمام وأبقى شيئاً فإنما يبقى شيئاً يسيراً يحلّله ما فيه حدة وقد تعرض من الردع شدة الوجع لاختناق المادة وارتكاز العضو وقد يعرض منه ارتداد المادة إلى أعضاء رئيسة وقد يعرض أن يصلب الورم وقد يعرض أن يأخذ العضو في الخضرة والسواد خصوصاً إذا عولج به في آخر الأمر وبقرب الانتهاء.
واعلم أن شدة الوجع تحوجك إلى أدوية ترخي من غير جذب وربما كان معها تبريد لا يمانع الإرخاء.
وأما ارتداد المادة إلى أعضاء رئيسة فيؤمن عنه الاستفراغ إلا إذا كان ما أتاها منها على سبيل دفع منها وكانت الأعضاء القابلة عنها كالمفرغة لها فهنالك لا سبيل إلى ردع ودفع البتة وقد حققنا هذا في موضعه.
وإذا خفت أن يميل إلى الصلابة استعملت المرخيات التي فيها تسخين وترطيب بقوة.
فأما الأدوية الرادعة التي هي المتوسطة فعصارات البقول الباردة التي كثيراً ما ذكرناها في مواضع أخرى مثل عصارات الحمقاء والقرع والهندبا وعصا الراعي وغير ذلك وعصارة عنب الثعلب خاصة وأجرامها مدقوقة مصلحة للضماد وعصارة بزر قطونا أيضاً والقيروطي بماء بارد.
وربما كفى الخطب فيه إسفنجة مغموسة في خل وماء بارد والكاكنج قوي في الابتداء وكذلك قشور الرمان وحي العالم والسويق المطبوخ جداً وخصوصاٌ بخل ممزوج أو سماق والطحلب أيضاً جيد فإن احتيج إلى أقوى من ذلك زيد فيها الصندل والأقاقيا والماميثا والفوفل والبنج وحشيشة تعرف بحشيشة الأورام جيدة في الابتداء جداً وقد يعان تجفيفها وقبضها بالزعفران والترطيب في الابتداء خطر.
وإذا وقع الإفراط في التبريد فربما أدى إلى إفساد العضو وفساد الخلط المحقون في الورم فأخذ الورم إلى خضرة وسواد فإن خفت شيئاً من ذلك فاضمد الموضع بدقيق الشعير واللبلاب وما فيه إرخاء فإن ظهر شيء من ذلك فاشرط الموضع واشرحه ولا تنتظر جمعاً ونضجاً وذلك حين ترى المنصبّ كثيراً جداً وربما أمات العضو.
والشرط منهِ أظهر ومنه أغور وذلك بحسب مكان الورم وحال العضو.
وإذا شرطت فانطل بماء البحر وبسائر المياه المالحة وضمّد بما فيه إرخاء وإن لم تحتج إلى رش ونطل اقتصرت على المرخّيات.
واعلم أن استعمال القوية الردع في الأول والقوية التحليل في الآخر رديء فليحذر ما أمكن.
فإن التبريد الشديد يؤدي إلى ما علمت والماء البارد لذلك مما يجب أن يحذر إلا في مثل الحمرة وفي التحليل الشديد يحدث وجع فإن أريد أن يدبّر في الابتداء تسكين الوجع فلا تقربن الماء الحار والأدهان المرخّية والضمادات المتخذة من أمثال ذلك من الأدوية فإنها شديدة المضادة لما يجب من منع الانصباب وليكن المفزع إلى الطين الأرمني مدوفاً في الماء البارد أو مع دهن ورد.
وأفضل دهن الورد ما كان من الورد والزيت فإن الزيت فيه تحليل ما وإلى العدس المطبوخ مع الورد أو إلى المرداسنج بدهن الورد فإن لم تنجع هذه وما يجري مجراها استعمل اللبلاب فإنه شديد الموافقة في الابتداء والانتهاء والسرمق والحسك والكرفس والباذروج كذلك وكثيراً ما يسكن الوجع شراب حلو مخلوط بدهن الورد بل عقيد العنب وقليل شمع على صوف وصوف زوفا مبرّداً في الصيف مفتراً في الشتاء أو اسفنج مغموس في شراب قابض أو خل وماء بارد والزعفران يدخل في تسكين الوجع.
وإذا رأيت الورم يسلك طريق الخراج فدع التبريد وخذ في طريق ما ينضج ويفتح.
فأما إذا انتهى الورم فلا بد من مثل الشبث والبابونج والخطمي وبزر الكتان ونحوه بل من المراهم الدياخيلونية والباسليقونية.
وفي مرهم القلقطار تجفيف من غير وجع ولذلك يصلح استعماله عند سكون اللهيب من الفلغموني وتصلح إذا لم تخف الجمع والأجود أن تضع عليه من فوق صوفاً مغموساً في شراب قابض.
واللحم أقل حاجة إلى التجفيف من العصب لأن اللحم يرجع إلى مزاجه بتجفيف يسير وأقل اللحم حاجة أقله شرايين وكثيراً ما تقع الحاجة إلى الشرط قبل النضج وكثيراً ما يحتال في جذب الورم من العضو الشريف إلى الخسيس بالجواذب ثم يعالج ذلك ويقيح وما يحتاج إلى التقبيح من الأورام الحارة فليضمد ببزرقطونا رأسه بالمطفّيّات حواليه وليطلَ الأطلية والضمادات بالريشة فإن الإصبع مؤلمة.

.فصل في الحمرة وأصنافها:

قد عرفت أسباب الحمرة وأصنافها في الكتاب الأول والتي يتميز بها عن الفلغموني أن الحمرة أظهر حمرة وأنصع والفلغمونىِ تظهر منه حمرة إلى سواد أو خضرة وأكثر لون دمه يكون كامناً في الغور.
وحمرة الحمرة تبطل بالمس فيبيض مكانها بسبب لطف مادة الحمرة وتفرقها ثم تعود بسرعة ولا كذلك حمرة الفلغوني وترى في حمرة الحمرة زعفرانية وصفرة ما ولا نرى ذلك في حمرة الفلغموني ولا يكون ورم الحمرة إلا في ظاهر الجلد والفلغموني غائر أيضاً في اللحم.
والحمرة الخالصة تدب ولا كذلك الفلغموني والصديدية تنفط ويقلّ ذلك في الفلغموني.
والخالصة لا تدافع اليد والفلغموني يمافع وكلما كثرت زيادة الدم على الصفراء كانت المدافعة أظهر والوجع والضربان أشد.
والحمرة تجلب الحمى أشدّ وقد يبلغ من حرارة الحمرة أن تحرق البشرة فيصير ما يسمى حمرة ولا كذلك الفلغمونى فليس التهاب الحمرة دون التهاب الفلغموني بل أكثر لكنّ تمدّد الفلغموني وإيجاده بسبب التمدّد قد يكون أكثر.
فلذلك وجع الحمرة أقل.
وأكثر ما تعرض الحمرة تعرض في الوجه وتبتدىء من أرنبة الأنف ويزداد الورم وينبسط في الوجه كله.
وإذا حدثت الحمرة عن انكسار العظم تحت الجلد فذلك رديء وقد عرفت الاختلاف بين الحمرة الفلغمونية وفلغموني الحمرة في غير هذا الموضع.
فصل في علاج الحمرة:
يجب أن يستفرغ البدن فيه بإسهال الصفراء وإن احتيج إلى الفصد فصد أيضاً وإنما ينفع الفصد جداً حين ما تكون المادةَ بين الجلدين فأما إن كانت غائرة فنفعه يقل وربما جذب وإن احتيج إلى معاودة الإسهال بعد الفصد فعل وذلك بحسب ما يخمن من المادة ثم يقبل على تبريدها بالمبرّدات القوية المعلومة في باب الفلغموني ويصب الماء البارد ويفعل ذلك حتى يتغير اللون فإن المحضة تبطل مع تغير اللون ونقصانه.
وبالجملهّ فإن التبريد في الحمرة أوجب لأن اللهيب والوجع الالتهابي فيه أكثر والاستفراغ في الفلغموني لأن المادة فيه أعصى وأغلظ ويجب أن تكون مبرداتها في الابتداء قوية القبض يكاد يربو قبضها على بردها.
وأما في قرب المنتهى فليكن بردها أشد من قبضها وليحذر مع ذلك أيضاً كي لا ترتد المادة إلى عضو باطن أو إلى عضو شريف وليحذر أيضاً كي لا يسودّ العضو ويكمد ويأخذ في طريق الفساد.
وإذا ظهر شيء من ذلك أخذ في ضد طريق القبض والتبريد.
فإن كانت الحمرة دبابة على الجلد عولج بخبث الرصاص مع شراب عفص يغلى بورق السلق المغلي بالشراب ويعالج بما فيه تحليل وتجفيف قوي مع تبريد وذلك مثل أن يؤخذ الصوف العتيق المحرق من غير أن يغسل وزن اثني عشر درهماً ونصف فحم فلب شجرة الصنوبر مثله الشمع خمسة عشر درهماً خبث الرصاص تسعة دراهم شحم الماعز العتيق المغسول بالماء خمسة عشر درهماً دهن الآس خمس أوراق وأيضاً أخف منه مرهم يتخذ من خبث الرصاص بعصارة السذاب ودهن ورد وشمع.